هل تسجد الأرواح عند النوم ، إذا بات العبد طاهرا ؟!السؤال : انتشرت في بعض المنتديات ، والرسائل البريدية رسالة تقول : " هلتعلم أين تذهب روحك وأنت نائم ؟ وفي هذه الرسالة ذكر هذا الأثر : عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال :' الأرواح تعرج في منامها إلى السماء ،فتؤمر بالسجود عند العرش ؛ فمن كان طاهرا سجد عند العرش ، ومن ليس بطاهرسجد بعيدا عن العرش ' رواه البخاري . وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( من بات طاهراً بات في شعاره ملك ؛ فلم يستيقظ إلا قال الملك : 'اللهماغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً' ) . رواه الطبراني . فهل ما ورد في هذهالرسالة صحيح ؟ الجواب :الحمد للهأولا :ليس من شك في أن من حسنات المراسلة ، ودخول المنتديات والمواقع الحوارية :أن يشغل المستخدم الزمان والمكان الذي يشارك فيه بما ينفعه وينفع غيره فيأمر الدين والدنيا ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا في كل أمر : (احرص على ما ينفعك ) [ رواه مسلم ] .غير أن النية الصادقة الصالحة لا تكفي وحدها في نجاة العبد ، وبلوغه الخيرالذي يؤمله ، حتى يضم إلى ذلك عملا صالحا موافقة لهدي النبي صلى الله عليهوسلم وشرعه .وهنا فيما يتعلق بالمسائل الدينية والمعلومات الشرعية ، والأحاديث النبويةالمتداولة في المنتديات والرسائل الإلكترونية ، يحدث خلل كبير في تداولهوتبادلها ؛ وذلك حين يكون في الرسالة معلومة مغلوطة أحيانا ، وأحيانا لمنتثبت منها ، ثم نسارع إلى تبادلها ، ودعوة الناس إلى ذلك : ( انشر تؤجر )قبل أن نتأكد من دقة هذه المعلومة ، وصحة ما ورد في الرسالة أو المشاركة .وتزداد المسألة خطرا حين تتعلق بنسبة حديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،أو حكم إلى الشرع المطهر ، قبل التأكد من صحة هذه النسبة ، ودقتها . وقدقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلَّا مَاعَلِمْتُمْ ؛ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْمَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه الترمذي وحسنه ، وضعفه الألباني في ضعيفالجامع ؛ وآخر الحديث : ( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًافَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) متفق عليه ، بل ذكر بعض أهلالعلم أنه من جملة الأحاديث المتواترة . ينظر : "نظم المتناثر" ، للكتاني(28) .وروى مسلم في مقدمة صحيحه (5) : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) .والواجب على المرأ أن يتثبت من المعلومة قبل نشرها ، ودعوة الناس إليها ،إما بأن يراجعها بنفسه في كتب أهل العلم ، ومظان ورودها ، إن كان عندهمقدرة على ذلك ، أو بأن يسأل أهل العلم بذلك الباب ( التخصص ) الذي تنتميإليه المعلومة ، فيسأل أهل الحديث عن صحة الحديث ، وأهل الفقه عن صحةالحكم ودقة الفتوى ، وهكذا . إلا أن تكون الرسالة قد وردته عن طريق من يثقبعلمه في هذا التخصص ، ويعلم دقته فيه ، فهنا لا بأس عليه أن ينتفع بها فينفسه ، ويرسلها إلى غيره ، بناء على أنه تلقاها من أهل الذكر في هذا الباب، وقد أدى ما عليه .ثانيًا :النص الأول المروي عن ابن عمر في هذه الرسالة هو من هذا الباب :فالقول إن البخاري رواه ، ليس بصحيح ، لأن المراد بذلك أن يكون رواه فيصحيحه ، والبخاري إنما رواه في كتاب " التاريخ " ، وكتاب التاريخ ليس منكتب السنن والمسانيد ، بل هو من كتب العلل ، ولذلك لم يقتصر فيه على "الصحيح " كما فعل في "صحيحه" المشهور ، بل كثيرا ما يروي الحديث فيه لبيانعلته ، أو التنبيه على ضعفه ، وهو الأمر الذي فعله في هذا الحديث ، فقدقال بعد أن رواه (6/292) : "ولا أراه يصح" اهـ ؛ فتأمل كيف أن البخاري ذكرأنه لا يصح ، وكيف أن الرسالة أوهمت أنه في صحيح البخاري ؟!وقد عزاه الحكيم الترمذي إلى أبي الدرداء ، من قوله ، موقوفا عليه ، أيضا ، لكن لم نقف على إسناده .ثم إن هذا الأثر ، لو صح : فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، كمافي رواية البخاري في تاريخه ، بل هو من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص ،وقد صرح بذلك البيهقي بعد روايته له في شعب الإيمان (3/29) : "هكذا جاءموقوفا " . انتهى . يعني : أن الرواية إنما وردت عن عبد الله بن عمرو بنالعاص من كلامه ، ولم ترد على أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ،هذا مع ما سبق من أن الإمام البخاري رحمه الله أشار إلى عدم صحة الروايةالموقوفة أيضا .وأمر غيبي لا يحكم فيه بمجرد الرأي والاجتهاد ، بل لا بد من أن يكون مبينا على سنة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .وأما الحديث الآخر : ( من بات طاهراً بات في شعاره ملك ؛ فلم يستيقظ إلا قال الملك : 'اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً' ) .وهذا الحديث رواه أبو عبيد القاسم في " الطهور" ـ ط مشهور ـ (رقم/70) وابنالمبارك في "المسند" (رقم/64) وابن حبان في "صحيحه" (1051) والطبراني في "الكبير" (12/446) من حديث ابن عمر .ورواه ابن المبارك في "الزهد" (1244) ومن طريقه : البيهقي في "الشعب" (2780) و"الدعوات" (375) من حديث أبي هريرة .ورواه الطبراني في "الأوسط" (5087) من حديث ابن عباس .وقد ذكره العقيلي في ترجمة عباس بن عتبة ، وقال : " لا يصح حديثه " ، ثمقال : " وقد روي هذا بغير هذا الإسناد بإسناد لين أيضا " انتهى . "الضعفاء الكبير" للعقيلي (3/362) .وقد خرجه الشيخ أبو إسحاق الحويني في " الفتاوى الحديثية" له (1/456ـ ترقيم الشاملة) ورجح ضعفه .وينظر : " السلسلة الصحيحة " للشيخ الألباني رحمه الله (2395) .ثالثًا :يغنينا عما سبق في فضل الوضوء عند النوم ما رواه البخاري (247) ومسلم(2710) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَتَيْتَمَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَىشِقِّكَ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِيإِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَإِلَّا إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ،وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ؛ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَفَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ) .قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِيأَنْزَلْتَ ، قُلْتُ : وَرَسُولِكَ . قَالَ : ( لَا ؛ وَنَبِيِّكَ الَّذِيأَرْسَلْتَ ) .قال الإمام الترمذي رحمه الله ، عقب روايته لهذا الحديث في "سننه" (3574): " ولا نعلم في شيء من الروايات ذكر الوضوء [ يعني : عند النوم ] إلا فيهذا الحديث" انتهى .وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :قَوْله ( فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ ) الْأَمْر فِيهِ لِلنَّدَبِ .وَلَهُ فَوَائِد : مِنْهَا أَنْ يَبِيت عَلَى طَهَارَة لِئَلَّا يَبْغَتهُالْمَوْت فَيَكُون عَلَى هَيْئَة كَامِلَة , وَيُؤْخَذ مِنْهُ النَّدْبإِلَى الِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ بِطَهَارَةِ الْقَلْب لِأَنَّهُ أَوْلَىمِنْ طَهَارَة الْبَدَن .. ، وَيَتَأَكَّد ذَلِكَ فِي حَقّ الْمُحْدِثوَلَا سِيَّمَا الْجُنُب وَهُوَ أَنْشَط لِلْعَوْدِ , وَقَدْ يَكُونمُنَشِّطًا لِلْغُسْلِ ، فَيَبِيت عَلَى طَهَارَة كَامِلَة . وَمِنْهَاأَنْ يَكُون أَصْدَق لِرُؤْيَاهُ وَأَبْعَد مِنْ تَلَعُّب الشَّيْطَانبِهِ " . انتهى .والله أعلم
تسلم اخي على الموضوع المميزتحياتي
مشكور اخي ربنا يخليك وكل عام وانت بخير